الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **
وذلك قولك: متى سير عليه فيقول الحاج وخفوق النجم وخلافة فلانس وصلاة العصر. فإنما هو: زمن مقدم الحاج وحين خفوق النجم ولكنه على سعة الكلام والاختصار. وإن قال: كم سير عليه فكذلك. وإن رفعته أجمع كان عربياً كثيراص. وينتصب على أن تجعل كم ظرفاً. وليس هذا في سعة الكلام والاختصار بأبعد من: صيد عليه يومان وولد له ستون عاماً. وتقول: سير عليه فرسخان يومين لأنك شغلت الفعل بالفرسخين فصار كقولك: سير عليه بعيرك يومين. وإن شئت قلت: سير عليه فرسخين يومان أيهما رفعته صار الآخر ظرفاً. وإن شئت نصبته على الفعل في سعة الكلام لا على الظرف كما جاز: يا ضارب اليوم زيداً أو يا سائر اليوم فرسخين. وتقول: صيد عليه يوم الجمعة غدوة يا فتى وإن شئت جعلته ظرفاً لأنك كأنك قلت: السير في يوم الجمعة في هذه الساعة. وإن شئت قلت: سير عليه الجمعة غدوة كما تقول: سير عليه يوم الجمعة صباحاً أي سير عليه يوم الجمعة في هذه الساعة. وإنما المعنى كان ابتداء السير في هذه الساعة. ومثل ذلك: ما لقيته مذ يوم الجمعة صباحاً أي في هذه الساعة وإنما معناه أنه في هذه الساعة وقع اللقاء كما كان ذلك في: سير عليه يوم الجمعة غدوة. وتقول: سير عليه يوم الجمعة غدوة تجعل غدوة بدلاً من اليوم كما تقول: ضرب القوم بعضهم. وتقول: إذا كان غد فأتى وإذا كان يوم الجمعة فالقني فالفعل لغد واليوم كقولك: إذا غد فأتى. وإن شئت قلت: إذا كان غداً فأتى وهي لغة بني تميم والمعنى أنه لقي رجلاً فقال له: إذا كان ما نحن عليه من السلامة أو كان ما نحن عليه من البلاء في غد فأتى ولكنهم أضمروا استخفافاً لكثرة كان في كلامهم لأنه الأصل لما مضى وما سيقع. وحذفوا كما قالوا: حينئذ الآن وإنما يريد: حينئذ واسمع إلى الآن فحذف واسمع كما قال: تالله ما رأيت كاليوم زجلاً أي كرجل أراه اليوم رجلاً. وإنما أضمروا ما كان يقع مظهراً استخفافاً ولأن المخاطب يعلم ما يعني فجرى بمنزلة المثل كما تقول: لا عليك وقد عرف المخاطب ما تعني أنه لا بأس عليك ولا ضر عليك ولكنه حذف لكثرة هذا في كلامهم. ولا يكون هذا في غير عليك. وقد تقول: إذا كان غداً فأتني كأنه ذكر أمراً إما خصومةً وإما صلحاً فقال: إذا كان غداً فأتني. فهذا جائزٌ في كل فعل لأنك إنما أضمرت بعد ما ذكرت مظهراً والأول محذوفٌ منه لفظ المظهر وأضمروا استخفافاً. فإن قلت: إذا كان الليل فأتني لم يجز ذلك لأن الليل لا يكون ظرفاً إلا أن تعني الليل كله على ما ذكرت لك من التكثير فإن وجهته على إضمار شيء قد ذكرت على ذلك الحد جاز ومما لا يسن فيه إلا النصب قولهم: سير عليه سحر لا يكون فيه إلا أن يكون ظرفاً لأنهم إنما يتكلمون به في الرفع والنصب والجر بالألف واللام يقولون: هذا السحر وبأعلى السحر وإن السحر خير لك من أول الليل. إلا أن تجعله نكرةً فتقول: سير عليه سحر من الأسحار لأنه يتمكن في الموضع. وكذاتحقيره إذا عنيت سحر ليلتك تقول: سير عليه سحيراً. ومثله: سير عليه ضحىً إذا عنيت ضحى يومك لأنهما لا يتمكنان من الجر في هذا المعنى لا تقول: موعدك ضحىً ولا عند ضحىً ولا موعدك سحير إلا أن تنصب. ومثل ذلك: صيد عليه صباحاً ومساءً وعشيةً وعشاءً إذا أردت عشاء يومك ومساء ليلتك لأنهم لم يستعملوه على هذا المعنى إلا ظرفاً. ولو قلت: موعدك مساءٌ أو أتانا عند عشاءٍ لم يحسن. ومثل ذلك: سير عليه ذات مرةٍ نصبٌ لا يجوز إلا هذا. ألا ترى أنك لا تقول: إن ذات مرة كان موعدهم ولا تقول: إنما لك ذات مرة كما تقول: إنما لك يوم. وكذلك: إنما يسار عليه بعيدات بين لأنه بمنزلة ذات مرة. ومثل ذلك: سير عليه بكراً. ألا ترى أنه لايجوز: موعدك بكراً ولا مذ بكر. فالبكر لا يتمكن في يومك كما لم يتمكن مرة وبعيدات بين. وكذلك: ضحوة في يومك الذي أنت فيه يجري مجرى عشية يومك الذي أنت فيه. وكذلك: سير " عليه " عتمة إذاأردت عتمة ليلتك كما تقول: صباحاً ومساءً وبكراً. وكذلك: سير عليه ذات يومٍ وسير عليه ذات ليلةٍ بمنزلة ذات مرةٍ. وكذلك: سير عليه ليلاً ونهاراً إذا أردت ليل ليلتك ونهار نهارك لأنه إنما يجرى على قولك: سير عليه بصراً وسير عليه ظلاماً إلا أن تريد " معنى " سير عليه ليلُ طويلُ ونهارُ طويلُ فهو على ذلك الحد غير متمكن وفي هذا الحال متمكنُ كما أن السحر بالألف واللام متصرفُ في المواصع التي ذكرت وبغير الألف واللام غير متمكن فيها. وذو صباحٍ بمنزلة ذات مرةٍ. تقول: سير عليه ذا صباحٍ أخبرنا بذلك يونس عن العرب إلا أنه قد جاء في لغةٍ لخثعم مفارقاً لذات مرةٍ وذات ليلةٍ. وأما الجيدة العربية فأن تكون بمنزلتها. وقال رجل من خثعم: عزمت على إقامة ذي صباح لشيء ما يسود من يسود فهو على هذه اللغة يجوز فيه الرفع. وجميع ما ذكرنا من غير المتمكن إذا ابتدأت اسماً لم يجز أن تبنيه عليه وترفع إلا أن تجعله ظرفاً وذلك قولك: موعدك سحيراً وموعدك صباحاً. ومثل ذلك: إنه ليسار عليه صباح مساء إنما معناه صباحاً ومساءً وليس يريد بقوله صباحاً ومساءً صباحاً واحداً ومساءً واحداً ولكنه يريد صباح أيامه ومساءها. فليس يجوز هذه الأسماء التي لم تتمكن من المصادر التي وضعت للحين وغيرها من الأسماء أن تجري مجرى يوم الجمعة وخفوق النجم ونحوهما. ومما يختار فيه أن يكون ظرفاً ويقبح أن يكون غير ظرف صفة الأحيان تقول: سير عليه طويلاً وسير عليه حديثاً وسير عليه كثيراً وسير عليه قليلاً وسير عليه قديماً. وإنما نصب صفة الأحيان على الظرف ولم يجز الرفع لأن الصفة لا تقع مواقع الاسم كما أنه لا يكون إلا حالا قوله: ألا ماء ولو بارداً لأنه لو قال: ولو أتاني باردٌ كان قبيحاً. ولو قلت: آتيك بجيدٍ كان قبيحاً حتى تقول: بدرهم جيد وتقول: أتيك به جيداً. فكما لا تقوى الصفة في هذا إلا حالاً أو تجري على اسم كذلك هذه الصفة لا تجوز إلا ظرفاً أو تجري على اسم. فإن قلت: دهر طويل أي شيء كثير أو قليل حسن. وقد يحسن أن تقول: سير عليه قريب لأنك تقول: لقيته مذ قريب. والنصب عربي جيد كثير. وربما جرت الصفة في كلامهم مجرى الاسم فإذا كان كذلك حسن. فمن ذلك: الأبرق والأبطح وأشباههما ومن ذلك ملىٌ من النهار والليل تقول: سير عليه ملىٌ والنصب فيه كالنصب في قريبٍ. ومما يبين لك أن الصفة لا يقوى فيها إلا هذا أن سائلاً لو سألك فقال: هل سير عليه لقلت: نعم سير عليه شديداً وسير عليه حسناً. فالنصب في هذا على أنه حال. وهو وجه الكلام لأنه وصف السير. ولا يكون فيه الرفع لأنه لا يقع موقع ما كان اسماً. ولم يكن ظرفاً لأنه ليس بحين يقع فيه الأمر. إلا أن تقول: سير عليه سير حسنٌ أو سير عليه سير شديد. فإن قلت: سير عليه طويل من الدهر وشديدٌ من السير فأطلت الكلام ووصفت كان أحسن وأقوى وجاز ولا يبلغ في الحسن الأسماء. وإنما جاز حين وصفت وأطلت لأنه ضارع الأسماء لأن الموصوفة في الأصل هي الأسماء. فيرتفع كما ينتصب إذا شغلت الفعل به وينتصب إذا شغلت الفعل بغيره. وإنما يجيء ذلك على أن تبين أي فعل فعلت أو توكيداً. فمن ذلك قولك على قول السائل: أي سير سير عليه فتقول: سير عليه سير شديد وضرب فإن قلت: ضرب به ضرباً ضعيفاً فقد شغلت الفعل بغيره عنه. ومثله: سير عليه سيراً شديداً. وكذلك إن أردت هذا المعنى ولم تذكر الصفة تقول: سير عليه سيرٌ وضرب به ضربٌ كأنك قلت: سير عليه ضربٌ من السير أو سير عليه شيء من السير. وكذلك جميع المصادر ترتفع على أفعالها إذا لم تشغل الفعل بغيرها. وتقول: سير عليه أيما سير سيراً شديداً كأنك قلت: سير عليه بعيرك سيراً شديداً. وتقول: سير عليه سيرتان أيما سير كأنك قلت: سير عليه بعيرك أيما سير فجرى مجرى ضرب زيد أيما ضرب وضرب عمرو ضرباً شديداً. وتقول على قول السائل: كم ضربةً ضرب به وليس في هذا إضمار شيء سوى كم والمفعول كم فتقول: ضرب به ضربتان وسير عليه سيرتان لأنه أراد أن يبين له العدة فجرى على سعة الكلام والاختصار وإن كانت الضربتان لا تضربان وإنما المعنى: كم ضرب الذي وقع به الضرب من ضربةٍ فأجابه على هذا المعنى ولكنه اتسع واختصر. وكذلك هذه المصادر التي عملت فيها أفعالها إنما يسأل عن هذا المعنى وكلنه يتسع ويخزل الذي يقع به الفعل اختصاراً واتساعاً. وقد علم أن الضرب لا يضرب. ومن ذلك: سير عليه خرجتان وصيد عليه مرتان. وليس ذلك بأبعد من قولك: ولد له ستون وسمعت من أثق به من العرب يقول: بسط عليه مرتان وإنما يريد: بسط عليه العذاب مرتين. وتقول: سير عليه طوران: طور كذا وطور كذا والنصب ضعيف جداً إذا ثنيت كقولك: طورٌ كذا وطورٌ كذا. وقد يكون في هذا النصب إذا أضمرت. وقد تقول: سير عليه مرتين تجعله على الدهر أي ظرفاً. وتقول: سير عليه طورين وتقول: ضرب به ضربتين أي قدر ضربتين من الساعات كما تقول: سير عليه ترويحتين. فهذا على الأحيان. ومثل ذلك: انتظر به نحر جزورين إنما جعله على الساعات كما قال: مقدم الحاج وخفوق النجم فكذلك جعله ظرفاً. وقد يجوز فيه الرفع إذا شغلت به الفعل. وإن جعلت المرتين وما أشبههما مثل السير رفعت ونصبت إذا أضمرت. ومما يجيء توكيداً وينصب قوله: سير عليه سيراً وانطلق به انطلاقاً وضرب به ضرباً فينصب على وجهين: أحدهما على أنه حال على حد قولك: ذهب به مشياً وقتل به صبراً. وإن وصفته على هذا الحد كان نصباً تقول: سير به سيراً عنيفاً كما تقول: ذهب به مشياً عنيفاً. وإن شئت نصبته على إضمار فعل آخر ويكون بدلاً من اللفظ بالفعل فتقول: سير عليه سيراً وضرب به ضرباً كأنك قلت بعد ما قلت: سير عليه وضرب به: يسيرون سيراً ويضربون ضرباً وينطلقون انطلاقاً ولكنه صار المصدر بدلاً من اللفظ بالفعل نحو يضربون وينطلقون وجرى على قوله: إنما أنت سيراً سيراً وعلى قوله: الحذر الحذر. وإن أنت قلت على هذا المعنى: سير عليه وضرب به الضرب جاز على قوله: الحذر الحذر وعلى ما جاء فيه الألف واللام نحو العراك وكان بدلاً من اللفظ بالفعل وهو عربي جيد حسن. ومثله: سير عليه سير البريد وإن وصفت على هذه الحال لم يغيره الوصف كما لم يغير الوصف ما كان حالاً. ولا يجوز أن تدخل الألف واللام في السير إذا كان حالاً كما لم يجز أن تقول: ذهب به المشي العنيف وأنت تريد أن تجعله حالاً. قال الراعي: نظارةً حين تعلو الشمس راكبها طرحاً بعيني لياحٍ فيه تحديد فأكد بقوله طرحاً وشدد لأنه يعلم المخاطب حين قال: نظارةً أنها تطرح. وإن شئت قلت: سير عليه السير كما قلت: سير عليه سير شديد. وإن وصفته كان أقوى وأبين كما كان ذلك في قوله: سير عليه ليل طويل ونهار طويل. وجميع ما يكون بدلاً من اللفظ بالفعل لا يكون إلا على فعل قد عمل في الاسم لأنك لا تلفظ بالفعل فارغاً فمن ثم لم يكن فيه الرفع في كلامهم لأنه إنما يعمل فيه ما هو بمنزلة اللفظ به إلا أنه صار كأنه فعل قد لفظ به فأولى ما عمل فيه ما هو بمنزلة اللفظ به. ومما يسبق فيه الرفع لأنه يراد به أن يكون في موضع غير المصدر قوله: قد خيف منه خوفٌ وقد قيل في ذلك قول. إنما يريد: قد خيف منه أمر أو شيء وقد قيل في ذلك خيرٌ أو شرٌ. ومثل هذا في المعنى كان منه كونٌ أي كان من ذلك أمرٌ. وإن حملته عليه السير والضرب في التوكيد حالاً وقع فيه الفعل أو بدلاً من اللفظ بالفعل نصبت. وإن كان المفعل مصدراً أجري مجرى ما ذكرنا من الضرب والسير وسائر المصادر التي ذكرنا وذلك قولك: إن في ألف درهم لمضرباً أي إن فيها لضرباً فإذا قلت: ضرب به ضرباً قلت: ضرب به مضرباً وإن رفعت رفعت. ومثل ذلك: سرح به مسرحاً أي تسريحاً. فالمسرح والتسريح بمنزلة الضرب والمضرب. قال جرير: ألم تعلم مسرحي القوافي فلا عيا بهن ولا اجتلابا أي تسريحي القوافي. وكذلك تجري المعصية مجرى العصيان والموجدة بمنزلة المصدر لو كان الوجد يتكلم به. تداركن حيا من نمير بن عامرٍ أسارى تسام الذل قتلاً ومحربا فإن قلت: ذهب به مذهبٌ أو سلك به مسلك رفعت لأن المفعل ههنا ليس بمنزلة الذهاب والسلوك وإنما هو الوجه الذي يسلك فيه والمكان الذي يذهب إليه وإنما هو بمنزلة قولك: ذهب به السوق وسلك به الطريق. وكذلك المفعل إذا كان حيناً نحو قولهم: أتت الناقة على مضربها أي على زمان ضرابها. وكذلك مبعث الجيوش تقول: سير عليه مبعث الجيوش ومضرب الشول. قال حميد بن ثور: وما هي إلا في إزار وعلقةٍ مغار ابن همام على حي خثعما فصير مغاراً وقتاً وهو ظرفٌ. ولا غيره لأنه كلام قد عمل بعضه في بعض فلا يكون إلا مبتدأً لا يعمل فيه شيء قبله لأن ألف الاستفهام تمنعه من ذلك. وهو قولك: قد علمت أعبد الله ثم أم زيد وقد عرفت أبو من زيد وقد عرفت أيهم أبوه وأما ترى أي برقٍ ها هنا. فهذا في موضع مفعول كما أنك إذا قلت: عبد الله هلرأيته فهذا الكلام في موضع المبنى على المبتدأ الذي يعمل فيه فيرفعه. ومثل ذلك: ليت شعري أعبد الله ثم أم زيد وليت شعري هل رأيته فهذا في موضع خبر ليت. فإنما أدخلت هذه الأشياء على قولك: أزيد ثم أم عمرو وأيهم أبوك لما احتجت إليه من المعاني. وسنذكر ذلك في باب التسوية. ومثل ذلك قوله عز وجل: " لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً " وقوله تعالى: " فلينظر أيها أزكى طعاماً ". ومن ذلك: قد علمت لعبد الله خير منك. فهذه اللام تمنع العمل كما تمنع ألف الاستفهام لأنها إنما هي لام الابتداء وإنما أدخلت عليه علمت لتؤكد وتجعله يقيناً قد علمته ولا تحيل على علم غيرك. كما أنك إذا قلت: قد علمت أزيد ثم أم عمرو أردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم وأردت أن تسوي علم المخاطب فيهما كما استوى علمك في المسألة حين قلت: أزيد ثم أم عمرو. ومثل ذلك قوله عز وجل: " ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ". ولو لم تستفهم ولم تدخل لام الابتداء لأعملت عملت كما تعمل عرفت ورأيت وذلك قولك: قد عملت زيداً خيراً منك كما قال تعالى جده: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت " وكما قال جل ثناؤه: " لا تعلمونهم الله يعلمهم " كقولك: لا تعرفونهم الله يعرفهم. وقال سبحانه: " والله يعلم المفسد من الصالح ". وتقول: قد عرفت زيداً أبو من هو وعلمت عمراً أأبوك هو أم أبو غيرك فأعملت الفعل في الاسم الأول لأنه ليس بالمدخل عليه حرف الاستفهام كما أنك إذا قلت: عبد الله أأبوك هو أم أبو غيرك أو زيد أبو من هو فالعامل في هذا الابتداء ثم استفهمت بعده. ومما يقوي النصب قولك: قد علمته أبو من هو وقد عرفتك أي رجل أنت. وتقول: قد دريت عبد الله أبو من هو كما قلت ذلك في علمت. ولم يؤخذ ذلك إلا من العرب. ومن ذلك: قد ظننت زيداً أبو من هو. وإن شئت قلت: قد علمت زيد أبو من هو كما تقول ذاك فيما لا يتعدى إلى مفعولٍ وذلك قولك: اذهب فانظر زيد أبو من هو ولا تقول: نظرت زيداً. واذهب فسل زيد أبو من هو وإنما المعنى: اذهب فسل عن زيد ولو قلت: اسأل زيداً على هذا الحد لم يجز. ومثل ذلك: دريت في أكثر كلامهم لأن أكثرهم يقول: ما دريت به مثل: ما شعرت به. ومثل ذلك: ليت شعري زيد أعندك هو أم عند عمرو. ولا بد من هو لأن حرف الاستفهام لا يستغنى بما قبله إنما يستغنى بما بعده فإنما جئت بالفعل قبل مبتدإٍ قد وضع الاستفهام في موضع المبنى عليه الذي يرفعه فأدخلته عليه كما أدخلته على قولك: قد عرفت لزيد خير منك. وإنما جاز هذا فيه مع الاستفهام لأنه في المعنى مستفهم عنه كما جاز لك أن تقول: إن زيداً فيها وعمرو. ومثله: " أن الله بريء من المشركين ورسوله ". فابتدأ لأن معنى الحديث حين قال: إن زيداً منطلق: زيد منطلق ولكنه أكد بإن كما أكد فأظهر زيداً وأضمره والرفع قول يونس. فإن قلت: قد عرفت أبو من زيد لم يجز إلا الرفع لأنك بدأت بما لا يكون إلا استفهاماً وابتدأته ثم بنيت عليه فهو بمنزلة قولك: قد علمت أأبوك زيد أم أبو عمرو. فإن قلت: قد عرفت أبا من زيد مكني انتصب على مكنى كأنك قلت: أبا من زيدٌ مكنى ثم أدخلت عرفت عليها. ومثله قولك: قد علمت أأبا زيد تكنى أم أبا عمرو ثم أدخلت عليه علمت كما أدخلته حين لم يكن ما بعده إلا مبتدأ فلا ينتصب إلا بهذا الفعل الآخر كما لم يكن في الأول إلا مبتدأ. وإذا قلت: قد عرفت زيداً أبو من هو قلت: قد عرفت زيداً أبا من هو مكنى. ومن رفع زيد ثمة رفع زيداً ها هنا. ونصب الآخر كما نصبه حين قال: قد عرفت أبا من أنت مكنى وكأنه قال: زيد أبا من هو مكنى. ثم أدخل الفعل عليه وكأنه قال: زيد أأبا بشرٍ يكنى أم أبا عمرو ثم أدخل الفعل عليه وعمل الفعل الآخر حين كان بعد ألف الاستفهام. وتقول: قد عرفت زيداً أبو أيهم يكنى به وعلمت بشراً أيهم يكنى به ترفعه كما ترفع أيهم ضربته. وتقول: أرأيتك زيداً أبو من هو وأرأيتك عمراً أعندك هو أم عند فلان لا يحسن فيه إلا النصب في زيد. ألا ترى أنك لو قلت: أرأيت أبو من أنت أو أرأيت أزيدٌ ثم أم فلانٌ لم يحسن لأن فيه معنى أخبرني عن زيد وهو الفعل الذي لا يستغنى السكوت على مفعوله الأول فدخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أخبرني في الاستغناء فعلى هذا أجرى وصار الاستفهام في موضع المفعول الثاني. وتقول: قد عرفت أي يوم الجمعة فتنصب على أنه ظرف لا على عرفت. وإن لم تجعله ظرفاً رفعت. وبعض العرب يقول: لقد علمت أي حين عقبتي وبعضهم يقول: لقد عملت أي حين عقبتي. وأما قوله: حتى كأن لم يكن إلا تذكره والدهر أيتما حالٍ دهارير فإنما هو بمنزلة قولك: والدهر دهارير كل حال وكل مرة أي في كل حال وفي كل مرة فانتصب لأنه ظرف كما تقول: القتال كل مرة وكل أحوال الدهر. وموضعها من الكلام الأمر والنهي فمنها ما يتعدى المأمور إلى مأمور به ومنها ما لا يتعدى المأمور ومنها ما يتعدى المنهي إلى منهي عنه ومنها ما لا يتعدى المنهي. أما ما يتعدى فقولك: رويد زيداً فإنما هو اسم لقولك: أرود زيداً. ومنها هلم زيداً إنما تريد هات زيداً. ومنها قول العرب: حيهل الثريد. وزعم أبو الخطاب أن بعض العرب يقول: حيهل الصلاة فهذا اسم ائت الصلاة أي ائتوا الثريد وأتوا الصلاة. ومنه قوله: تراكها من إبل تراكها فهذا اسم لقوله له: اتركها. وقال: مناعها من إبل مناعها وأما ما لا يتعدى المأمور ولا المنهي إلى مأمور به ولا إلى منهى عنه فنحو قولك: مه مه وصه صه وآه وإيه وما أشبه ذلك. واعلم أن هذه الحروف التي هي أسماء للفعل لا تظهر فيها علامة المضمر وذلك أنها أسماء وليست على الأمثلة التي أخذت من الفعل الحادث فيما مضى وفيما يستقبل وفي يومك ولكن المأمور والمنهي مضمران في النية. وإنما كان من أصل هذا في الأمر والنهي وكانا أولى به لأنهما لا يكونان إلا بفعل فكان الموضع الذي لا يكون إلا فعلاً أغلب عليه. وهي أسماء الفعل وأجريت مجرى ما فيه الألف واللام نحو: النجاء لئلا يخالف لفظ ما بعدها لفظ ما بعد الأمر والنهي. ولم تصرف تصرف المصادر لأنها ليست بمصادر وإنما سمي بها الأمر والنهي فعملت عملهما ولم تجاوز فهي تقوم مقام فعلهما. تقول: رويد زيداً وإنما تريد أرود زيداً. قال الهذلي: رويد عليا جد ما ثدى أمهم إلينا ولكن بغضهم متماين وسمعنا من العرب من يقول: والله لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشعر. يريد: أرود الشعر كقول القائل: لو أردت الدراهم لأعطيتك فدع الشعر. فقد تبين لك أن رويد في موضع الفعل. ويكون رويد أيضاً صفةً كقولك: ساروا سيراً رويداً. ويقولون أيضاً: ساروا رويداً فيحذفون السير ويجعلونه حالاً به وصف كلامه واجتزأ بما في صدر حديثه من قول ساروا عن ذكر السير. ومن ذلك قول العرب: ضعه رويداً أي وضعاً رويداً. ومن ذلك قولك للرجل تراه يعالج شيئاً: رويداً إنما تريد: علاجاً رويداً. فهذا على وجه الحال إلا أن يظهر الموصوف فيكون على الحال وعلى غير الحال. واعلم أن رويداً تلحقها الكاف وهي في موضع افعل وذلك كقولك: رويدك زيداً ورويد كم زيداً. وهذه الكاف التي لحقت رويداً إنما لحقت لتبين المخاطب المخصوص لأن رويد تقع للواحد والجميع والذكر والأنثى فإنما أدخل الكاف حين خاف التباس من يعني بمن لا يعنى وإنما حذفها في الأول استغناء بعلم المخاطب أنه لا يعني غيره. فلحاق الكاف كقولك: يا فلان للرجل حتى يقبل عليك. وتركها كقولك للرجل: أنت تفعل إذا كان مقبلاً عليك بوجهه منصتاً لك. فتركت يا فلان حين قلت: أنت تفعل استغناء بإقباله عليك. وقد تقول أيضاً: رويدك لمن لا يخاف أن يلتبس بسواه توكيداً كما تقول للمقبل عليك المنصت لك: أنت تفعل ذاك يا فلان توكيداً. وذا بمنزلة قول العرب: هاء وهاءك وها وهاك وبمنزلة قولك: حيهل وحيهلك وكقولهم: النجاءك. فهذه الكاف لم تجيء علماً للمأمورين والمنبهين المضمرين ولو كانت علماً للمضمرين لكانت خطأ لأن المضمرين ها هنا فاعلون وعلامة المضمرين الفاعلين الواو كقولك: افعلوا. وإنما جاءت هذه الكاف توكيداً وتخصيصاً ولو كانت اسماً لكان النجاءك محالاً لأنه لا يضاف الاسم الذي فيه الألف واللام. وينبغي لمن زعم أنهن أسماء أن يزعم أن كاف ذاك اسم فإذا قال ذلك لم يكن له بد من أن يزعم أنها مجرورة أو منصوبة فإن كانت منصوبةً انبغى له أن يقول: ذاك نفسك زيدٌ إذا أراد الكاف وينبغي له أن يقول: إن كانت مجرورة ذاك نفسك زيدٌ وينبغي له أن يقول: إن تاء أنت اسم وإنما تاء أنت بمنزلة الكاف. ومما يدلك على أنه ليس باسم قول العرب: أرأيتك فلاناً ما حاله فالتاء علامة المضمر المخاطب المرفوع ولو لم تلحق الكاف كنت مستغنياً كاستغنائك حين كان المخاطب مقبلاً عليك عن قولك: يا زيد ولحاق الكاف كقولك: يا زيد لمن لو لم تقل له يا زيد استغنيت. فإنما جاءت الكاف في أرأيت والنداء في هذا الموضع توكيداً. وما يجيء في الكلام توكيداً لو طرح كان مستغنىً عنه كثير. وحدثنا من لا نتهم أنه سمع من العرب من يقول: رويد نفسه جعله مصدراً كقوله: " فضرب الرقاب ". وكقوله: عذير الحي ونظير الكاف في رويد في المعنى لا في اللفظ لك التي تجيء بعد هلم في قولك: هلم لك فالكاف ههنا اسم مجرور باللام والمعنى في التوكيد والاختصاص بمنزلة الكاف التي في رويد وأشباهها كأنه قال: هلم ثم قال: إرادتي بهذا لك فهو بمنزلة سقيا لك. وإن شئت قلت: هلم لي بمنزلة هات لي وهلم ذاك لك بمنزلة أدن ذاك منك. وتقول فيما يكون معطوفاً على الاسم المضمر في النية وما يكون صفة له في النية كما تقول في المظهر. أما المعطوف فكقولك: رويدكم أنتم وعبد الله كأنك قلت: افعلوا أنتم وعبد الله لأن المضمر في النية مرفوع فهو يجري مجرى المضمر الذي يبين علامته في الفعل. فإن قلت: رويدكم وعبد الله فهو أيضاً رفع وفيه قبح لأنك لو قلت: اذهب وعبد الله كان فيه قبح فإذا قلت: اذهب أنت وعبدالله حسن. ومثل ذلك في القرآن: " فاذهب أنت وربك فقاتلا " و " اسكن أنت وزوجك الجنة ". وتقول: رويدكم أنتم أنفسكم فيحسن الكلام كأنك قلت: افعلوا أنتم أنفسكم. فإن قلت: رويدكم أنفسكم رفعت وفيها قبح لأن قولك: افعلوا أنفسكم فيها قبح فإذا قلت: أنتم أنفسكم حسن الكلام. وتقول: رويدكم أجمعون ورويدكم أنتم أجمعون كل حسن لأنه يحسن في المضمر الذي له علامة في الفعل. ألا ترى أنك تقول: قوموا أجمعون وقوموا أنتم أجمعون. وكذلك: رويد إذا لم تلحق فيها الكاف تجري هذا المجرى. وكذلك الحروف التي هي أسماء للفعل جميعاً تجري هذا المجرى لحقتها الكاف أو لم تلحقها إلا أن هلم إذا لحقتها لك فإن شئت حملت أجمعين ونفسك على الكاف المجرورة فتقول: هلم لكم أجمعين وهلم لكم أنفسكم. ولا يجوز أن تعطف على الكاف المجرورة الاسم لأنك لا تعطف المظهر على المضمر المجرور. ألا ترى أنه يجوز لك أن تقول: هذا لك نفسك ولكم أجمعين ولا يجوز أن تقول: هذا لك وأخيك. وإن شئت حملت المعطوف والصفة على المضمر المرفوع في النية فتقول: هلم لك أنت وأخوك وهلم لكم أجمعون. كأنك قلت: تعالوا أنتم أجمعون وتعال أنت وأخوك. فإن لم ولكنها بمنزلة الأسماء المفردة التي كانت للفعل نحو رويد وحيهل ومجراهن واحد وموضعهن من الكلام الأمر والنهي إذا كانت للمخاطب المأمور والمنهي. وإنما استوت هي ورويد وما أشبه رويد كما استوى المفرد والمضاف إذا كانا اسمين نحو عبد الله وزيد مجراهما في العربية سواء. ومنها ما يتعدى المأمور إلى مأمور به ومنها ما يتعدى المنهي إلى المنهي عنه ومنها ما لا يتعدى المأمور ولا المنهي. فأما ما يتعدى المأمور إلى مأمور به فهو قولك: عليك زيداً ودونك زيداً وعندك زيداً تأمره به. حدثنا بذلك أبو الخطاب. وأما ما تعدى المنهي إلى منهي عنه فقولك: حذرك زيداً وحذارك زيداً سمعناهما من العرب. وأما ما لا يتعدى المأمور ولا المنهي فقولك: مكانك وبعدك إذا قلت: تأخر أو حذرته شيئاً خلفه. كذلك عندك إذا كنت تحذره من بين يديه شيئاً أو تأمره أن يتقدم. وكذلك فرطك إذا كنت تحذره من بين يديه شيئاً أو تأمره أن يتقدم. ومثلها أمامك إذا كنت تحذره أو تبصره شيئاً. وإليك إذا قلت: تنح. ووراءك إذا قلت: افطن لما خلفك. وحدثنا أبو الخطاب أنه سمع من العرب من يقال له: إليك فيقول: إلى. كأنه قيل له: تنح. فقال: أتنحى. ولا يقال إذا قيل لأحدهم: دونك: دوني ولا علي. هذا النحو إنما سمعناه في هذا الحرف وحده وليس لها قوة الفعل فتقاس. واعلم أن هذه الأسماء المضافة بمنزلة الأسماء المفردة في العطف والصفات وفيما قبح فيها وحسن لأن الفاعل المأمور والفاعل المنهي في هذا الباب مضمران في النية. ولا يجوز أن تقول: رويده زيداً ودونه عمراً وأنت تريد غير المخاطب لأنه ليس بفعل ولا يتصرف تصرفه. وحدثني من سمعه أن يعضهم قال: عليه رجلاً ليسني. وهذا قليل شبهوه بالفعل. وقد يجوز أن تقول: عليكم أنفسكم وأجمعين فتحمله على المضمر المجرور الذي ذكرته للمخاطب كما حملته على لك حين ذكرتها بعد هلم ولم تحمل على المضمر الفاعل في النية ويدلك على أنك إذا قلت: عليك فقد أضمرت فاعلاً في النية وإنما الكاف للمخاطبة قولك: على زيدا وإنما أدخلت الياء على مثل قولك للمأمور: أولني زيداً. فلو قلت: أنت نفسك لم يكن إلا رفعاً ولو قال: أنا نفسي لم يكن إلا جراً. ألا ترى أن الياء والكاف إنما جاءتا لتفصلا بين المأمور والأمر في المخاطبة. وإذا قال: عليك زيداً فكأنه قال له: ائت زيداً. ألا ترى أن للمأمور اسمين: اسماً للمخاطبة مجروراً واسمه الفاعل المضمر في النية كما كان له اسم مضمر في النية حين قلت: على. فإذا قلت: عليك فله اسمان: مجرور ومرفوع. ولا يحسن أن تقول: عليك وأحيك كما لا يحسن أن تقول: هلم لك وأخيك. وكذلك: حذرك يدلك على أن حذرك بمنزلة عليك قولك: تحذيري زيداً إذا أردت حذرني زيداً. فالمصدر وغيره في هذا الباب سواء. ومن جعل رويداً مصدراً قال: رويدك نفسك إذا أراد أن يحمل نفسك على الكاف كما قال: عليك نفسك حين حمل الكلام على الكاف. وهي مثل: حذرك سواء إذا جعلته مصدراً لأن الحذر مصدر وهو مضاف إلى الكاف. فإن حملت نفسك على الكاف جررت وإن حملته على المضمر في النية رفعت. وكذلك: رويدكم إذا أردت الكاف تقول: رويدكم أجمعين. وأما قول العرب: رويدك نفسك فإنهم يجعلون النفس بمنزلة عبد الله إذا أمرت به كأنك قلت: رويدك عبد الله إذا أردت: أرود عبد الله. وأما حيهلك وهاءك وأخواتها فليس فيها إلا ما ذكرنا لأنهن لم يجعلن مصادر. واعلم أن ناساً من العرب يجعلون هلم بمنزلة الأمثلة التي أخذت من الفعل يقولون: هلم وهلمى وهلماً وهلموا. واعلم أنك لا تقول: دوني كما قلت: على لأنه ليس كل فعل يجيء بمنزلة أولني قد تعدى إلى مفعولين فإنما على بمنزلة أولني ودونك بمنزلة خذ. لا تقول: آخذني درهماً ولا خذني درهماً. واعلم أنه لا يجوز لك أن تقول: عليه زيداً تريد به الأمر كما أردت ذلك في الفعل حين قلت: ليضرب زيداً لأن عليه ليس من الفعل وكذلك حذره زيداً قبيحةٌ لأنها ليست من أمثلة الفعل. فإنما جاء تحذيري زيداً لأن المصدر يتصرف مع الفعل فيصير حذرك في موضع احذر وتحذيري في موضع حذرني فالمصدر أبداً في موضع فعله. ودونك لم يؤخذ من فعل ولا عندك ينتهي فيها حيث انتهت العرب. واعلم أنه يقبح: زيداً عليك وزيداً حذرك لأنه ليس من أمثلة الفعل فقبح أن يجري ما ليس من الأمثلة مجراها إلا أن تقول: زيداً فتنصب بإضمارك الفعل ثم تذكر عليك بعد ذلك فليس يقوى هذا قوة الفعل لأنه ليس بفعل ولا يتصرف تصرف الفاعل الذي في معنى يفعل. إذا علمت أن الرجل مستغن عن لفظك بالفعل وذلك قولك: زيداً وعمراً ورأسه. وذلك أنك رأيت رجلاً يضرب أو يشتم أو يقتل فاكتفيت بما هو فيه من عمله أن تلفظ له بعمله فقلت: زيداً أي أوقع عملك بزيدٍ. أو رأيت رجلاً يقول: أضرب شر الناس فقلت: زيداً. أو رأيت رجلاً يحدث حديثاً فقطعه فقلت: حديثك. أو قدم رجل من سفر فقلت: حديثك. استغنيت عن الفعل بعلمه أنه مستخبرٌ فعلى هذا يجوز هذا وما أشبهه. وأما النهي فإنه التحذير كقولك: الأسد الأسد والجدار الجدار والصبي الصبي وإنما نهيته أن يقرب الجدار المخوف المائل أو يقرب الأسد أو يوطئ الصبي. وإن شاء أظهر في هذه الأشياء ما أضمر من الفعل فقال: اضرب زيداً وأشتم عمراً ولا توطئ الصبي وأحذر الجدار ولا تقرب الأسد. ومنه أيضاً قوله: الطريق الطريق إن شاء قال: خل الطريق أو تنح عن الطريق. قال جرير: خل الطريق لمن يبني المنار به وأبرز ببرزة حيث اضطرك القدر ولا يجوز أن تضمر تنح عن الطريق لأن الجار لا يضمر وذلك أن المجرور داخل في الجار غير منفصل فصار كأنه شيء من الاسم لأنه معاقب للتنوين ولكنك إن أضمرت أضمرت ما هو في معناه مما يصل بغير حرف إضافةٍ كما فعلت فيما مضى. واعلم أنه لا يجوز أن تقول: زيد وأنت تريد أن تقول: ليضرب زيد أو ليضرب زيد إذا كان فاعلاً ولا زيداً وأنت تريد ليضرب عمرو زيداً. ولا يجوز: زيد عمراً إذا كنت لا تخاطب زيداً إذا أردت ليضرب زيدٌ عمراً وأنت تخاطبني فإنما تريد أن أبلغه أنا عنك أنك قد أمرته أن يضرب عمراً وزيد وعمرو غائبان فلا يكون أن تضمر فعل الغائب. وكذلك لا يجوز زيداً وأنت تريد أن أبلغه أنا عنك أن يضرب زيداً لأنك إذا أضمرت فعل الغائب ظن السامع الشاهد إذا قلت: زيداً أنك تأمره هو بزيد فكرهوا الالتباس هنا ككراهيتهم فيما لم يؤخذ من الفعل نحو قولك: عليك أن يقولوا عليه زيداً لئلا يشبه ما لم يؤخذ من أمثلة الفعل بالفعل. وكرهوا هذا في الالتباس وضعف حيث لم يخاطب المأمور كما كره وضعف أن يشبه عليك وهذه حجج سمعت من العرب وممن يوثق به يزعم أنه سمعها من العرب. من ذلك قول العرب في مثل من أمثالهم: " اللهم ضبعاً وذئباً " إذا كان يدعو بذلك على غم رجل. وإذا سألتهم ما يعنون قالوا: اللهم أجمع أو اجعل فيها ضبعاً وذئباً. وكلهم يفسر ما ينوي. وإنما سهل تفسيره عندهم لأن المضمر قد استعمل في هذا الموضع عندهم بإظهار. حدثنا أبو الخطاب أنه سمع بعض العرب وقيل له: لم أفسدتم مكانكم هذا فقال: الصبيان بأبي. كأنه حذر أن يلام فقال: لم الصبيان. وحدثنا من يوثق به أن بعض العرب قيل له: أما بمكان كذا وكذا وجد وهو موضع يمسك الماء. فقال: بلى وجاذاً. أي فأعرف بها وجاذاً. ومن ذلك قول الشاعر وهو المسكين: أخاك أخاك إن من لا أخا له كساع إلى الهيجا بغير سلاح كأنه يريد: الزم أخاك. ومن ذلك قولك: زيداً وعمراً كأنك تريد: اضرب زيداً وعمراً كما قلت: زيداً وعمراً رأيت. ومنه قول العرب: " أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك " و " الظباء على البقر ". يقول: عليك أمر مبكياتك وخل الظباء على البقر. ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره في غير الأمر والنهي وذلك قولك إذا رأيت رجلاً متوجهاً وجهة الحاج قاصداً في هيئة الحاج فقلت: مكة ورب الكعبة. حيث زكنت أنه يريد مكة كأنك قلت: يريد مكة والله. ويجوز أن تقول: مكة والله على قولك: أراد مكة والله كأنك أخبرت بهذه الصفة عنه أنه كان فيها أمس فقلت: مكة والله أي أراد مكة إذ ذاك. ومن ذلك قوله عز وجل: " بل ملة إبراهيم حنيفاً " أي بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً كأنه قيل لهم: اتبعوا حين قيل لهم: " كونوا هوداً أو نصارى ". أو رأيت رجلاً يسدد سهماً قبل القرطاس فقلت: القرطاس والله أي يصيب القرطاس. وإذا سمعت وقع السهم في القرطاس قلت: القرطاس والله أي أصاب القرطاس. ولو رأيت ناساً ينظرون الهلال وأنت منهم بعيد فكبروا لقلت: الهلال ورب الكعبة أي أبصروا الهلال. أو رأيت ضرباً فقلت على وجه التفاؤل: عبد الله أي يقع بعبد الله أو بعبد الله يكون. ومثل ذلك أن ترىرجلاً يريد أن يوقع فعلاً أو رأيته في حال رجل قد أوقع فعلاً أو أخبرت ومنه أن ترى الرجل أن تخبر عنه أنه قد أتى أمراً قد فعله فتقول: أكل هذا بخلاً أي أتفعل كل هذا بخلاً. وإن شئت رفعته فلم تحمله على الفعل ولكنك تجعله مبتدأ. وإنما أضمرت الفعل ها هنا وأنت مخاطب لأن المخاطب المخبر لست تجعل له فعلاً آخر يعمل في المخبر عنه. وأنت في الأمر للغائب قد جعلت له فعلاً آخر يعمل كأنك قلت: قل له ليضرب زيداً أو قل له: اضرب زيداً أو مره أن يضرب زيداً فضعف عندهم مع ما يدخل من اللبس في أمر واحدٍ أن يضمر فيه فعلان لشيئين. وذلك قولك: " الناس مجزيون بأعمالهم إن خيراً فخيرٌ وإن شراً فشرٌ " و " المرء مقتول بما قتل به إن خنجراً فخنجرٌ وإن سيفاً فسيفٌ ". وإن شئت أظهرت الفعل فقلت: إن كان خنجراً فخنجر وإن كان شراً فشرٌ. ومن العرب من يقول: إن خنجراً فخنجراً وإن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً كأنه قال: إن كان الذي عمل خيراً جزى خيراً وإن كان شراً جزي شراً. وإن كان الذي قتل به خنجراً كان الذي يقتل به خنجراً. والرفع أكثر وأحسن في الآخر لأنك إذا أدخلت الفاء في جواب الجزاء استأنفت ما بعدها وحسن أن تقع بعدها الأسماء. وإنما أجازوا النصب حيث كان النصب فيما هو جوابه لأنه يجزم كما يجزم ولأنه لا يستقيم واحد منهما إلا بالآخر فشبهوا الجواب بخبر الابتداء وإن لم يكن مثله في كل حالةٍ كما يشبهون الشيء بالشيء وإن لم يكن مثله ولا قريباً منه. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى وسنذكره أيضاً إن شاء الله. وإذا أضمرت فأن تضمر الناصب أحسن لأنك إذا أضمرت الرافع أضمرت له أيضاً خبراً او شيئاً يكون في موضع خبره. فكلما كثر الإضمار كان أضعف. وإن أضمرت الرافع كما أضمرت الناصب فهو عربي حسن وذلك قولك: إن خير فخير وإن خنجر فخنجر كأنه قال: إن كان معه خنجر حيث قتل فالذي يقتل به خنجر وإن كان في أعمالهم خير فالذي يجزون به خير. ويجوز أن تجعل إن كان خير على: إن وقع خير كأنه قال: إن كان خير فالذي يجزون به خير. وزعم يونس أن العرب تنشد هذا البيت لهدبة بن خشرم: فإن تك في أموالنا لا نضق بها ذراعاً وإن صبر فنصبر لصبر والنصب فيه جيد بالغ على التفسير الأول والرفع على قوله: وإن وقع صبر أو إن كان فينا صبر فإنا نصبر. وأما قول الشاعر لنعمان بن المنذر: قد قيل ذلك إن حقاً وإن كذباً فما اعتذارك من شيءٍ إذا قبلا فالنصب فيه على التفسير الأول والرفع يجوز على قوله إن كان فيه حق وإن كان فيه باطل كما جاز ذلك في: إن كان في أعمالهم خير. ويجوز أيضاً على قوله: إن وقع حق وإن وقع كذب. ومن ذلك قوله عز وجل: " وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ ". ومثل ذلك قول العرب في مثل من أمثالهم: " إن لا حظية فلا ألية " أي إن لا تكن له في الناس حظية فإني غير أليةٍ كأنها قالت في المعنى: إن كنت ممن لا يحظى عنده فإني غير ألية. ولو عنت بالحظية نفسها لم يكن إلا نصباً إذا جعلت الحظية على التفسير الأول. ومثل ذلك: قد مررت برجل إن طويلاً وإن قصيراً وامرر بأيهم أفضل إن زيداً وإن عمراً وقد مررت برجل قبل إن زيداً وإن عمراً لا يكون في هذا إلا النصب لأنه لا يجوز أن تحمل الطويل والقصير على غير الأول ولا زيداً ولا عمراً. وأما إن حق وإن كذب فقد تستطيع أن لا تحمله على الأول فتقول: إن كان فيه حق أو كان فيه كذب أو إن وقع حق أو باطل. ولا يستقيم في ذا أن تريد غير الأول إذا ذكرته ولا تستطيع أن تقول: إن كان فيه طويل أو كان فيه زيد ولا يجوز على إن وقع. وقال ليلى الأخيلية: لا تقربن الدهر آل مطرفٍ إن ظالماً أبداً وإن مظلوما وقال ابن همام السلولي: وأحضرت عذري عليه السهو - د إن عاذرا لي وإن تاركا فنصبه لأنه عني الأمير المخاطب. ولو قال: إن عاذر لي وإن تارك يريد: إن كان لي في الناس عاذر أو غير عاذر جاز. وقال النابغة الذبياني: حدبت على بطون ضنة كلها إن ظالماً فيهم وإن مظلوما ومن ذلك أيضاً قولك: مررت برجل صالحٍ وإن لا صالحاً فطالحٌ. ومن العرب من يقول: إن لا صالحاً فطالحاً كأنه يقول: إن لا يكن صالحاً فقد مررت به أو لقيته طالحاً. وزعم يونس أن من العرب من يقول: إن لا صالحٍ فطالحٍ على: إن لا أكن مررت بصالحٍ فبطالحٍ وهذا قبيح ضعيف لأنك تضمر بعد إن لا فعلاً آخر فيه حذف غير الذي تضمر بعد إن لا في قولك: إن لا يكن صالحاً فطالحٌ. ولا يجوز أن يضمر الجار ولكنهم لما ذكروه في أول كلامهم شبهوه بغيره من الفعل. وكان هذا عندهم أقوى إذا أضمرت رب ونحوها في قولهم: وبلدةٍ ليس بها أنيس ومن ثم قال يونس: امرر على أيهم أفضل إن زيداً وإن عمرو. يعني: إن مررت بزيد أو مررت بعمرو. واعلم أنه لا ينتصب شيء بعد إن ولا يرتفع إلا بفعل لأن إن من الحروف التي يبنى عليها الفعل وهي إن المجازاة وليست من الحروف التي يبتدأ بعدها الأسماء ليبنى عليها الأسماء. فإنما أراد بقوله: إن زيد وإن عمرو إن مررت بزيد أو مررت بعمرو فجرى الكلام على فعل آخر وانجر الاسم بالباء لأنه لا يصل إليه الفعل إلا بالباء كما أنه حين نصبه كان محمولاً على كان أخر لا على الفعل الأول. ومن رأى الجر في هذا قال: مررت برجل إن زيد وإن عمرو يريد: إن كنت مررت بزيدٍ أو كنت مررت بعمرو. ولو قلت: عندنا أيهم أفضل أو عندنا رجل ثم قلت: إن زيداً وإن عمراً كان نصبه على كان وإن رفعته رفعته على كان كأنك قلت: إن كان عندنا زيدٌ أو كان عندنا عمروٌ. ولا يكون رفعه على عندنا من قبل أن عندنا ليس بفعل ولا يجوز بعد إن عندنا أن تبنى الأسماء على الأسماء ولا الأسماء تبنى على عندنا كما لم يجز لك أن تبني بعد إن الأسماء على الأسماء. واعلم أنه لا يجوز لك أن تقول: عبد الله المقتول وأنت تريد: كن عبد الله المقتول لأنه ليس فعلاً يصل من شيء إلى شيء ولأنك لست تشير له إلى أحد. ومن ذلك قول العرب: من بد شولاً فإلى إتلائها نصب لأنه أراد زماناً. والشول لا يكون زماناً ولا مكاناً فيجوز فيها وكقولك: من لد صلاة العصر إلى وقت كذا وكقولك: من لد حائط إلى مكان كذا فلما أراد الزمان حمل الشول على شيء يحسن أن يكون زماناً إذا عمل في الشول ولم يحسن إلا ذا كما لم يحسن ابتداء الأسماء بعد إن حتى أضمرت ما يحسن أن يكون بعدها عاملاً في الأسماء. فكذلك هذا كأنك قلت: من لد أن كانت شولاً فإلى إتلائها. وقد جره قوم على سعة الكلام وجعلوه بمنزلة المصدر حين جعلوه على الحين وإنما يريد حين كذا وكذا وإن لم يكن في قوة المصادر لأنه لا يتصرف تصرفها. واعلم أنه ليس كل حرف يظهر بعده الفعل يحذف فيه الفعل ولكنك تضمر بعد ما أضمرت فيه العرب من الحروف والمواضع وتظهر ما أظهروا وتجري هذه الأشياء التي هي على ما يستخفون بمنزلة ما يحذفون من نفس الكلام ومما هو في الكلام على ما أجروا فليس كل حرف يحذف منه شيء ويثبت فيه نحو: يك ويكن ولم أبل وأبال لم يحملهم ذاك على أن يفعلوه بمثله ولا يحملهم إذا كانوا يثبتون فيقولون: في مر أومر أن يقولوا: في خذ أوخذ وفي كل أوكل. فقف على هذه الأشياء حيث وقفوا ثم فسر. وأما قول الشاعر: لقد كذبتك نفسك فاكذبنها فإن جزعاً وإن إجمال صبر فهذا على إما وليس على إن الجزاء كقولك: إن حقاً وإن كذباً. فهذا على إما محمولٌ. ألا ترى أنك تدخل الفاء ولو كانت على إن الجزاء وقد استقبلت الكلام لاحتجت إلى الجواب. فليس قوله: فإن جزعاً كقوله: إن حقاً وإن كذباً ولكنه على قوله تعالى: " فإما منا بعد وإما فداءً ". ولو قلت: فإن جزعٌ وإن إجمال صبر كان جائزاً كأنك قلت: فإما أمرى جزعٌ وإما إجمال صبرٍ لأنك لو صححتها فقلت: إما جاز ذلك فيها. ولا يجوز طرح ما من إما إلا في الشعر. قال النمر بن تولب: وإنما يريد: وإما من خريف. ومن أجز ذلك في الكلام دخل عليه أن يقول: مررت برجل إن صالحٍ أن طالحٍ يريد إما. وإن أراد إن الجزاء فهو جائزٌ لأنه يضمر فيها الفعل وإما يجري ما بعدها ههنا على الابتداء وعلى الكلام الأول ألا ترى أنك تقول: قد كان ذلك صلاحاً أو فساداً. ولو قلت: قد كان ذلك إن صلاحاً وإن فساداً كان النصب على كان أخرى ويجوز الرفع على ما ذكرنا. ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره قولك: هلا خيراً من ذلك وألا خيراً من ذلك أو غير ذلك. كأنك قلت: ألا تفعل خيراً من ذلك أو ألا تفعل غير ذلك وهلا تأتي خيراً من ذلك. وربما عرضت هذا على نفسك فكنت فيه كالمخاطب كقولك: هلا أفعل وألا أفعل. وإن شئت رفعته فقد سمعنا رفع بعضه من العرب وممن سمعه من العرب. فجاز إضمار ما يرفع كما جاز إضمار ما ينصب. ومن ذلك قولك: أو فرقاً خيراً من حبٍ أي أو أفرقك فرقاً خيراً من حبٍ. وإنما حمله على الفعل لأنه سئل عن فعله فأجابه على الفعل الذي هو عليه. ولو رفع جاز كأنه قال: أو أمري فرق خير من حب. وإنما انتصب هذا النحو على أنه يكون الرجل في فعل فيريد أن ينقله أو ينتقل هو إلى فعل آخر. فمن ثم نصب أو فرقاً لأنه أجاب على أفرقك وترك الحب. ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره قولك: ألا طعام ولو تمراً كأنك قلت: ولو كان تمراً وأتني بدابة ولو حماراً. وإن شئت قلت: ألا طعام ولو تمر كأنك قلت: ولو يكون عندنا تمرٌ ولو سقط إلينا تمرٌ. وأحسن ما يضمر منه أحسنه في الإظهار. ولو قلت: ولو حمارٍ فجررت كان بمنزلة في إن. ومثله قول بعضهم إذا قلت: جئتك بدرهمٍ: فهلا دينارٍ. وهو بمنزلة إن في هذا الموضع يبنى عليها الأفعال والرفع قبيح في: فهلا دينار وفي: ولو حمار لأنك لو لم تحمله على إضمار يكون ففعل المخاطب أولى به. والرفع في هذا وفي: ولو حمارٌ بعيد كأنه يقول: ولو يكون مما يأتيني به حمارٌ. ولو بمنزلة إن لا يكون بعدها إلا الأفعال فإن سقط بعدها اسم ففيه فعل مضمر في هذا الموضع تبنى عليه الأسماء. فلو قلت: ألا ماء ولو بارداً لم يحسنإلا النصب لأن بارداً صفة. ولو قلت: ائتني بباردٍ كان قبيحاً ولو قلت: ائتني بتمرٍ كان حسناً ألا ترى كيف قبح أن يضع الصفة موضع الاسم. ومن ذلك قول العرب: ادفع الشر ولو إصبعاً كأنه قال: ولو دفعته إصبعاً ولو كان إصبعاً. ولا يحسن أن تحمله على ما يرفع لأنك إن لم تحمله على إضمار يكون ففعل المخاطب المذكور أولى وأقرب فالرفع في هذا وفي ائتني بدابة ولو حمار بعيد كأنه يقول: ولو يكون مما تأتيني به حمارٌ ولو يكون مما تدفع به إصبعٌ. ومما ينتصب على إضمار الفعل المستعمل إظهاره أن ترى الرجل قد قدم من سفر فتقول: خير مقدم. أو يقول الرجل: رأيت فيما يرى النائم كذا وكذا فتقول: خيراً وما شر وخيراً لنا وشراً لعدونا. وإن شئت قلت: خير مقدم وخير لنا وشر لعدونا. أما النصب فكأنه بناه على قوله قدمت فقال: قدمت خير مقدم وإن لم يسمع منه هذا اللفظ فإن قدومه ورؤيته إياه بمنزلة قوله: قدمت. وكذلك إن قيل: قدم فلان وكذلك إذا قال: رأيت فيما يرى النائم كذا وكذا فتقول: خيراً لنا وشراً لعدونا. فإذا نصب فعلى الفعل. وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ أو مبنيٌ على مبتدأ ولم يرد أن يحمله على الفعل ولكنه قال: هذا خير مقدم وهذا خير لنا وشر لعدونا وهذا خير وما سر. ومن ثم قالوا: مصاحب معان ومبرور مأجور كأنه قال: أنت مصاحب وأنت مبرور. فإذا رفعت هذه الأشياء فالذي في نفسك ما أظهرت وإذا نصبت فالذي في نفسك غير ما وأما قولهم: راشداً مهدياً فإنهم أضمروا اذهب راشداً مهدياً. وإن شئت رفعت كما رفعت مصاحب معان ولكنه كثر النصب في كلامهم لأن راشداً مهدياً بمنزلة ما صار بدلاً من اللفظ بالفعل كأنه لفظ برشدت وهديت. وسترى بيان ذلك إن شاء الله. ومثله: هنيئاً مريئاً. وإن شئت نصبت فقلت: مبروراً مأجوراً ومصاحباً معاناً. حدثنا بذلك عن العرب عيسى ويونس وغيرهما كأنه قال: رجعت مبروراً واذهب مصاحباً. ومما ينتصب أيضاً على إضمار الفعل المستعمل إظهاره قول العرب: حدث فلان بكذا وكذا فتقول: صادقاً والله. أو أنشدك شعراً فتقول: صادقاً والله أي قاله صادقاً. لأنك إذا أنشدك فكأنه قد قال كذا. ومن ذلك أيضاً أن ترى رجلاً قد أوقع أمراً أو تعرض له فتقول: متعرضاً لعنن لم تعنه أي دنا من هذا الأمر متعرضاً لعنن لم يعنه. وترك ذكر الفعل لما يرى من الحال. ومثله: بيع الملطى لا عهد ولا عقد وذلك إن كنت في حال مساومةٍ وحال بيعٍ فتدع أبايعك استغناءً لما فيه من الحال. ومثله: مواعيد عرقوبٍ أخاه بيثرب كأنه قال: واعدتني مواعيد عرقوب أخاه ولكنه ترك واعدتني استغناءً بما هو فيه من ذكر الخلف واكتفاءً بعلم من يعنى بما كان بينهما قبل ذلك. ومن العرب من يقول: متعرض ومنهم من يقول: صادق والله. وكل عربي. ومثله: غضب الخيل على اللجم كأنه قال: غضبت أو رآه غضبان فقال: غضب الخيل فكأنه بمنزلة قوله: غضبت غضب الخيل على اللجم. ومن العرب من يرفع فيقول: غضب الخيل على اللجم فرفعه كما رفع بعضهم: الظباء على البقر. ومثله أن تسمع الرجل ذكر رجلاً فتقول: أهل ذاك وأهله أي ذكرت أهله لأنك في ذكره تحمله على المعنى. وإن شاء رفع على هو. ونصبه وتفسيره تفسير خير مقدم.
|